بعد تأخيرٍ وعثراتٍ عدة، يبدو من المرجح إعادة تنشيط خط سكة حديد دول مجلس التعاون الخليجي الذي طال انتظاره، وهي خطوة يمكن أن تحوِّل التجارة والربط عبر الخليج.

حصلَ المشروع على دفعةٍ كبيرة في كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي عندما وافق قادة دول مجلس التعاون الخليجي الست على إنشاء الهيئة الخليجية للسكك الحديدية، وهي الهيئة التي من المتوقع أن تُشرِفَ على تنسيق وبناء المشروع. ويمثّلُ هذا القرار تطورًا مهمًا مُحتملًا للبنية التحتية للسكك الحديدية في الخليج.

بعد نقاشٍ دام عقودًا، تمت الموافقة على مشروع سكة حديد دول مجلس التعاون الخليجي من قبل جميع الدول الأعضاء الست في العام 2009. ومع ذلك، أدّت الضغوط المالية إلى تأخير الخطط. وارتبط ذلك بانخفاضِ أسعارِ النفط في العام 2014، وأخيرًا، جائحة كوفيد -19 والتوترات الديبلوماسية، التي أدت إلى حصار اقتصادي لقطر من قبل بعض نظرائها الإقليميين من العام 2017 إلى العام 2021.

يَهدُفُ المشروع المُقتَرَح إلى ربط جميع دول مجلس التعاون الخليجي الست عبر خط سكة حديد بطول 2,177 كلم. وانطلاقًا من مدينة الكويت في الشمال، سيمرّ خط السكة الحديد عبر مدينتي الجبيل والدمام الساحليتين في المملكة العربية السعودية، قبل أن يتجه إلى العاصمة البحرينية المنامة وعاصمة قطر الدوحة ويتحول بعد ذلك إلى السعودية قبل أن ينتقل إلى الإمارات العربية المتحدة، حيث سيمر عبر المدن الرئيسة أبو ظبي ودبي والفجيرة، قبل أن يصل إلى محطته النهائية في مسقط، عاصمة عُمان.

وتعززت الآمال في استئناف المشروع في شباط (فبراير) عندما ذكرت وسائل الإعلام القطرية أن بناء القسم الذي يربط بين قطر والمملكة العربية السعودية سيبدأ قريبًا، مع استكمال الأعمال الأساسية، مثل التصاميم الهندسية وخطة العمل، بالفعل.

يأتي ذلك في الوقت الذي أفادت وسائل الإعلام الإقليمية في كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي أن المسؤولين في البلدين يأملون في تشغيل خط السكة الحديد بحلول العام 2025.

قدرٌ أكبر من الاتصال والتجارة

الواقع أن تطويرَ السكك الحديدية سيؤدي إلى تحسين الاتصال الإقليمي بشكلٍ كبير من خلال تقليل أوقات النقل وتكاليفه بين المدن والموانئ الرئيسة في دول مجلس التعاون الخليجي، وتحسين التدفقات التجارية عبر الكتلة وجذب الاستثمار.

وقد أشارت أرقام الأعمال في الخليج إلى أن تقصير أوقات السفر يمكن أن يساعد على تعزيز قطاع السياحة والترفيه، وهو مجالٌ يتطلع عددٌ من دول الخليج إلى نموّه بما يتماشى مع الجهود الأوسع لتنويع اقتصاداتها.

على سبيل المثال، كجُزءٍ من رؤية 2030، تأمل المملكة العربية السعودية في زيادة مساهمة الناتج المحلي الإجمالي للسياحة إلى أكثر من 10٪ وتهدف إلى جذب 100 مليون زائر بحلول نهاية العقد، ارتفاعًا من حوالي 20.3 مليون زائر في العام 2019.

علاوة على ذلك، فإن بناء خط سكة حديد على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي يُبشر بالخير للتعاون الإقليمي، وسوف يدعم خططًا لمزيد من المواءمة الاقتصادية داخل الكتلة.

في الواقع، سعت دول مجلس التعاون الخليجي إلى تسريع إنشاء اتحاد جمركي مشترك وسوق مشتركة، قبل الهدف النهائي المتمثل في إقامة الوحدة الاقتصادية داخل المنطقة.

المملكة العربية السعودية تدفع قُدُمًا

ينسجم تطوير خط سكك حديد دول مجلس التعاون الخليجي مع جهود الدول الفردية لتوسيع البنية التحتية للنقل المحلي. وسط خططٍ للحدِّ من الانبعاثات وتحسين الاتصال، يُنظَرُ إلى السكك الحديدية على أنها مفتاحٌ لمستقبل النقل في دول الخليج.

على سبيل المثال، على الرغم من امتلاكها لأكبر شبكة في المنطقة، والتي تضم 5,000 كيلومتر من السكك الحديدية، فقد واصلت المملكة العربية السعودية تحديث البنية التحتية للسكك الحديدية.

في آذار (مارس)، تم افتتاح محطة الركاب الخامسة والأخيرة على شبكة “قطار الشمال”، محطة القريات بالقرب من الحدود الأردنية، للجمهور. تسمح هذه الترقية للركاب بالسفر على امتداد 1,215 كلم من شمال البلاد إلى العاصمة الرياض في حوالي 12 ساعة.

جاء ذلك بعد افتتاح قطار الحرمين السريع في العام 2018، وهو خطٌّ كهربائي بطول 450 كلم يربط بين الحرمين الشريفين في البلاد، مكة المكرمة والمدينة المنورة عبر جدة، مع توقف في مطار الملك عبد العزيز الدولي ومدينة الملك عبد الله الاقتصادية.

توقّعت تقديراتُ ما قبل الجائحة أن الخط سينقل 60 مليون مسافر سنويًا، بما في ذلك بين 3 و4 ملايين زائر للحج والعمرة، ما سيخفف بشكلٍ كبير من حركة المرور على الطرق.

في مكانٍ آخر، تتابع الحكومة خططًا طموحة لتوسيع شبكة السكك الحديدية في البلاد، حيث صرح وزير الاستثمار والموارد المعدنية، خالد الفالح، في منتدى أعمال في كانون الثاني (يناير) الفائت أن الدولة تخطط لإضافة 8,000 كيلومتر أخرى من المسار إلى الشبكة.

تطورٌ رئيس آخر هو مشروع الجسر البرّي السعودي، الذي يهدف إلى ربط جدة، على البحر الأحمر، بساحل الخليج.

في أماكن أخرى، استثمرت دولة الإمارات أيضًا بكثافة في البنية التحتية للسكك الحديدية.

بالإضافة إلى التطورات الخاصة بالإمارة مثل مترو دبي وأنظمة ترام دبي – اللذان تم إطلاقهما في 2013 و2014 على التوالي- كانت هناك أيضًا مشاريع على مستوى الإمارات العربية المتحدة في السنوات الأخيرة.

في العام 2016، أطلقت الدولة المرحلة الأولى من شبكة السكك الحديدية الوطنية، وهي خدمة شحن تربط حقول الغاز في شاه في الجنوب بالرويس على الساحل الغربي. وتجري الآن المرحلة الثانية من المشروع، والتي تشمل خدمة نقل الركاب التي تربط 11 مدينة، مع استكمال الخطّ بين دبي وأبو ظبي في آذار (مارس) الفائت.

بموجب الخطط الطموحة لدولة الإمارات، من المتوقع أن تنقل القطارات التي تسير بسرعة تصل إلى 200 كيلومتر في الساعة 36.5 مليون شخص وملايين الأطنان من الشحن كل عام. من خلال إبعاد السيارات والشاحنات عن طرق الدولة، من المتوقع أيضًا أن تنخفض انبعاثات الكربون الناتجة عن النقل بنسبة 70-80٪.

بمجرد الانتهاء من المشروع، من المتوقع أن تستغرق الرحلة بالقطار بين أبوظبي ودبي – أكبر مدينتين في الإمارات- حوالي 50 دقيقة، بينما من المتوقع أن تستغرق الرحلة من أبوظبي إلى الفجيرة حوالي ساعة و40 دقيقة – حوالي نصف الوقت الذي تستغرقه بواسطة السيارة.

في ما يتعلق بالتأثير الاقتصادي، يقول المسؤولون الإماراتيون إن إنفاق 50 مليار درهم (13.6 مليار دولار) على المشروع سيُولّد حوالي 200 مليار درهم (54.5 مليار دولار) للاقتصاد، وربط المناطق الإقليمية والريفية بالمدن الأكبر سيخلق فرصًا اقتصادية كبيرة في المناطق المتخلّفة.

قطر تتطلع نحو الأحداث الكبرى

بدورها، عملت قطر أيضًا على تحسين شبكات النقل العام. في العام 2019، أطلقت الدولة مترو الدوحة، وهو نظام عبور سريع مُكَوَّنٌ من ثلاثة خطوط و37 محطة يربط العاصمة بضواحيها.

في كانون الثاني (يناير) من هذا العام، أطلق المسؤولون الخط الأول من ترام لوسيل، وهو نظام سكة حديد خفيف في لوسيل، شمال الدوحة. بمجرد تشغيل النظام بالكامل، سيتألف من أربعة خطوط ويمر عبر 25 محطة.

تم تصميم الكثير من توسعات النقل العام في قطر لتلبية احتياجات بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022. في الواقع، يوجد في البلاد 26 مشروعَ نقلٍ في طور الإعداد، ومن المتوقع أن يتم الانتهاء من 12 منها بحلول موعد انطلاق البطولة في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.

الدافع لمزيد من تطوير السكك الحديدية

في أماكن أخرى من المنطقة، هناك أمل في أن تنشيطَ خط سكة حديد دول مجلس التعاون الخليجي سيعيد إشعال وإنعاش خطط السكك الحديدية المحلية الأخرى الخاملة.

على سبيل المثال، خططت حكومة سلطنة عُمان منذ فترو طويلة لبناء شبكة سكك حديدية وطنية خاصة بها، وهي عبارة عن وصلة مقترحة بطول 2,100 كيلومتر تبدأ عند حدودها مع الإمارات العربية المتحدة وتعبر صحار ومسقط في الشمال، قبل الارتباط بمدن الموانئ الرئيسة في الدقم وصلالة على الساحل الشرقي.

في حين تم طرح العطاءات في العام 2013، فقد تم تعليق المشروع في العام 2016 حيث واجهت البلاد تحدّيات مالية مُرتَبطة بانخفاض أسعار النفط. ومع ذلك ، فقد أحرزت الدولة تقدمًا في السنوات الأخيرة في ما يتعلق بالبنية التحتية للسكك الحديدية، ما أدى إلى الأمل في إحياء المشروع الوطني.

كشفت الحكومة في تموز (يوليو) من العام الماضي عن خطط لبناء مترو مسقط الذي سيربط حي روي ومنطقة مطرح بمطار مسقط الدولي ومدينة السيب الساحلية في الشمال.

وبالمثل، واجهت عمليات تطوير السكك الحديدية تأخيراتٍ في الكويت، التي أعلنت عن خططها في العام 2009 لإنشاء شبكة بطول 160 كيلومترًا سيتم ربطها بخط سكة حديد دول مجلس التعاون الخليجي الأوسع.

على الرغم من تعليق المشروع في العام 2015، فقد أصدرت الدولة في كانون الثاني (يناير) 2020 خططًا لنظام سكة حديد مُكوَّن من 68 محطة يربط مدينة الكويت بالمطار الدولي للبلاد والجامعة الرئيسة والمناطق السكنية والصناعية.